فصل: ثالثا- المحكم والمتشابه: القرآن وصفات من أنزله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.3- الأحكام والتوجيهات المستفادة:

.أ- الأحكام:

.1- الله منوّر السموات والأرض:

ويجب أن يقال: لله تعالى نور، على جهة المدح؛ لكونه سبحانه أوجد الأشياء المنوّرة، وأوجد أنوارها، ونوّرها، ويدل على هذا المعنى قراءة زيد بن علي وأبي جعفر وعبد العزيز المكّي: {الله نوّر السّماوات والأرض} ومعنى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أنه سبحانه صيّرهما منيرتين باستقامة أحوال أهلهما وكمال تدبيره عزّ وجلّ لمن فيهما.
أما ما ذهب إليه المجسمة من أن الله تعالى نور لا كالأنوار، فباطل، لأن النور ضياء، وهو عرض من الأعراض، أو جسم من الأجسام، وكلاهما مستحيل على الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

.2- الله هادي أهل السموات والأرض:

وأقرب ما ذهب إليه العلماء في هذا التأويل: أن النور سبب للظهور، والهداية لما شاركت النور في هذا المعنى صحّ إطلاق اسم النور على الهداية قال تعالى: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً} [الأنعام: 122]، ومعنى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي ذو نور السموات والأرض، والنور هو الهداية، ولا تحصل إلا لأهل السموات، والحاصل أن المراد: الله هادي أهل السموات والأرض. وهو قول ابن عباس والأكثرين.

.3- شرح كيفية التمثيل:

ذهب جمهور المتكلمين، أن المشبّه هو المراد من الهدى الذي هي الآيات البينات، والمعنى أن هداية الله تعالى قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات، وصارت في ذلك بمنزلة المشكاة التي تكون فيها زجاجة صافية، وفي الزجاجة مصباح يتقد بزيت بلغ النهاية في الصفاء.

.ب- التوجيهات المستفادة:

.1- الله تعالى ظاهر في إبداع مخلوقاته:

شديد الظهور في دلائل قدرته، وشدّة الظهور تولّد الخفاء، فسبحان من اختفى عن الخلق لشدة ظهوره، واحتجب عنهم بإشراق نوره.

.2- (هداية الله بالغة في الظهور والجلاء:)

أن هداية الله قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات.

.3- الاعتناء بشجرة الزيتون:

وأنها مباركة، كثيرة الارتفاق والمنافع.

.4- (الاستفادة من ضرب الأمثال:)

الاستفادة من ضرب الأمثال بالاعتبار، والنظر المؤدي للإيمان.

.5- (الوعيد لمن لا يعتبر ولا يتفكر:)

الوعيد لمن لا يعتبر ولا يتفكر، ولا ينظر في الأدلة الإلهية فيعرف وضوحها وبعدها عن الشبهات.

.4- علوم القرآن في الآيات:

1- الآية مدنية؛ لأن سورة النور مدنية باتفاق.
2- القراءات في الآية:
- قرأ ابن كثير: {درّيّ} بضم الدال، وتشديد الراء المكسورة، وتشديد الياء من غير همز. {توقّد} بفتح التاء والواو والدال.
- وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: {درّيّ} مثل ابن كثير: {يوقد} بالياء مضمومة وضم الدال.
- وقرأ أبو عمرو: {درّيء} بكسر الدال مهموز. {توقّد} بفتح التاء والدال.
- وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر: {درّيء} بضم الدال مهموز.
{توقد} بضم التاء والدال. وفي رواية أبان عن عاصم، وحفص بن عاصم:
{يوقد} مثل نافع الياء مضمومة.
- وقرأ الكسائي: {درّيء} مثل أبي عمرو بكسر الدال مهموز. {توقد} بضم التاء وفتح القاف وضم الدال مثل حمزة.
- وروى القفطي عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو عن عاصم بن بهدلة، وعن أهل الكوفة: {توقّد} رفعا مشددة مفتوحة التاء.
3- الآية محكمة في الدلالة على أن الله تعالى نور العالم كلّه علويّه وسفليه، بمعنى منوّرة بالآيات التكوينية والتنزيلية، الدالة على وجوده ووحدانيته وسائر صفاته، والهادية إلى الحق وإلى ما به صلاح المعاش والمعاد.
4- وهي مثل ضربه الله للقرآن في قلب أهل الإيمان به، فقال: مثل نور الله الذي أنار به لعباده سبيل الرشاد، الذي أنزله إليهم، فآمنوا به، وصدقوا بما فيه؛ في قلوب المؤمنين، مثل: {كَمِشْكاةٍ} وهي عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وذلك هو نظير الكوة التي في الحيطان التي لا منفذ لها، وإنما جعل ذلك العمود مشكاة، لأنه غير نافذ، وهو أجوف مفتوح الأعلى، فهو كالكوّة التي في الحائط، التي لا تنفذ. ثم قال: {فِيها مِصْباحٌ} وهو السراج، وجعل السّراج وهو المصباح مثلا لما في قلب المؤمن من القرآن والآيات المبينات، ثم قال: {الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ} يعني أن السّراج الذي في المشكاة في القنديل، وهو الزجاجة، وذلك مثل القرآن، يقول: القرآن الذي في قلب المؤمن الذي أنار الله قلبه في صدره. ثم مثّل الصدر في خلوصه من الكفر بالله والشك فيه، واستنارته بنور القرآن، واستضاءته بآيات ربّه المبينات، ومواعظه فيها، بالكوكب الدريّ فقال: {الزُّجاجَةُ وذلك صدر المؤمن الذي فيه قلبه كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}.
5- والإعجاز ظاهر في الآية من حيث إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وروعة التصوير للنور الإلهي الذي يعمّ جميع الكائنات بالنور والهداية. ومن الصور البلاغية فيها:
أ- التشبيه المرسل في قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ} حيث جاء التشبيه بواسطة الأداة، وهي (الكاف) وهو تشبيه تمثيلي، لأن وجه الشبه منتزع من متعدد. قال الكرخيّ: ومثّل الله نوره، أي معرفته في قلب المؤمن، بنور المصباح دون نور الشمس، مع أن نورها أتم، لأن المقصود تمثيل النور في القلب، والقلب في الصدور، والصدر في البدن؛ بالمصباح، والمصباح في الزجاجة، والزجاجة في القنديل.
ب- الطباق في قوله تعالى: {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} فالشمس والظل يتعاقبان عليها، وأن ذلك أجود لحملها وأصفى لزيتها.
ج- إطلاق المصدر على اسم الفاعل في قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي: منورهما، للمبالغة. ومن فسّر النور بالهداية، فقد ذهب إلى أن في الجملة استعارة.
د- التنكير: في قوله تعالى: {نُورٌ عَلى نُورٍ} وفيه فخامة ومبالغة، حيث النور متعدد ومتضاعف.

.ثالثا- المحكم والمتشابه: القرآن وصفات من أنزله:

.تمهيد:

يبدأ الله تعالى هذه السورة الكريمة بحرفين من حروف الهجاء، للتحدّي والإعجاز، ثم يبيّن سبحانه موقف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه رسول مهمته البلاغ، والله عزّ وجلّ بصفاته الجليلة وأسمائه الحسنى لن يتخلّى عنه، بل سيحيطه برعايته وحفظه، وهي سنته سبحانه وتعالى في الدفاع عن رسله، ومن تبعهم من المؤمنين.
قال الله تعالى: {طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} [طه: 1- 8].

.1- شرح المفردات:

{طه}: من الحروف المقطعة التي أنزلها الله في أوائل بعض سور القرآن للتحدي والإعجاز.
{لتشقى}: لتتعب، بفرط تأسفك على كفرهم، وتحسرك على عدم إيمانهم.
{تذكرة}: تذكيرا وعظة.
{استوى}: علا وارتفع، ولا يعلم البشر كيف ذلك، فالاستواء معلوم والكيف مجهول.
{ما تحت الثرى}: ما تحت التراب من شيء.
{الأسماء الحسنى}: الفضلى، لدلالتها على الكمال والجلال، والتعظيم والتقديس.

.2- المعنى الإجمالي:

إن الذي أنزل عليك هذا القرآن المركّب من هذين الحرفين (طه) وأمثالهما، والذي عجز قومك عن الإتيان بسورة من مثله، ما أنزله عليك يا محمد لتتعب وتنصب، في التحسّر على عناد المشركين بمكة، أو في المبالغة بالقيام للعبادة والتهجد، وإنما أنزلناه ليكون تذكيرا لمن يخاف الله تعالى، فيقبل على طاعته وعبادته، متحملا التضحيات في سبيل إيمانه، وهو كتاب منزل، يتنزل من عند إله خالق للأرضين والسموات، رحمن الدنيا والآخرة، استوى على عرشه استواء يليق بجنابه العظيم، ومالك ما في السموات والأرض ومدبرهم، العليم بالسر والجهر، لا إله في الوجود غيره، ولا معبود بحق سواه، له الأسماء الفضلى التي يعرفه العباد بها، ويعبدونه حق العبادة.

.3- الأحكام والتوجيهات المستفادة:

.أ- الأحكام:

.1- القرآن سبب السعادة ورفع المشقة:

لم ينزله الله تعالى للنّصب والشقاء وإنما رحمة وتيسيرا في الدنيا، ونورا ودليلا إلى الجنة في الآخرة، وقد أوضح الإمام ابن جزي الكلبي في تفسيره هذا المعنى، فقال: (قيل إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام في الصلاة حتى تورّمت قدماه، فنزلت الآية تخفيفا عنه، فالشقاء على هذا إفراط التعب في العبادة، وقيل: المراد به التأسف على كفر الكفّار، واللفظ عام في ذلك كله، والمعنى أنه سبحانه نفى عنه جميع أنواع الشقاء في الدنيا والآخرة، لأنه أنزل عليه القرآن الذي هو سبب السعادة).

.2- استواء الله على العرش:

من صفات الله تعالى التي نؤمن بها، من غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل، وتكون السلامة في التسليم، وقد سئل الإمام مالك عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة.
وتأوّل الأشعرية معنى استوى: باستولى بالملك والقدرة، واستشهدوا بقول الشاعر:
استوى بشر على العراق ** من غير سيف ودم مهراق

.3- الأسماء الحسنى:

لله تعالى الأسماء التي هي أحسن الأسماء؛ لدلالتها على أحسن مسمّى وأشرف مدلول، وقد ثبت في الحديث الصحيح: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» وقد ذكر الحافظ ابن حجر في (تلخيص الحبير) أنه تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حرر منه تسعة وتسعين اسما، ثم سردها.
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
فالمؤمن الحق يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى من غير زيادة ولا نقص ولا تغيير ولا تبديل.

.ب- التوجيهات المستفادة:

1- القرآن سبب السعادة والهداية، ورفع المشقة والحرج.
2- إثبات نزول الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن، وتكليفه بالبلاغ المبين لجميع الناس.
3- تقرير الاستواء لله تعالى على عرشه من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل.
4- تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم عمّا كان يعتريه من تحدي المشركين وإصرارهم على كفرهم.
5- عظيم الإكرام وحسن المعاملة من الله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلّم.
6- وصف السموات بالعلى؛ دلالة على عظيم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها.
7- الله ربّ كل شيء وخالق كل شيء، لا معبود بحق سواه.

.4- علوم القرآن في الآيات:

1- هي مكية؛ لأنها من سورة (طه) وهي من السور المكية باتفاق، وفي خبر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ مطلعها وتأثّر بآياتها، فكانت من الأسباب المباشرة في إسلامه، ففي سنن الدارقطني عن أنس بن مالك قال: خرج عمر متقلّدا بسيف، فقيل له: إن ختنك وأختك قد صبئوا، فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له: خبّاب، وكانوا يقرءون طه فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، وكان عمر رضي الله عنه يقرأ الكتب، فقالت له أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ. فقام عمر رضي الله عنه وتوضأ، وأخذ الكتاب، فقرأ طه.
وذكر ابن إسحاق القصة مطولة، وفيها أنه ذهب إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم فأعلن إسلامه أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وآيات السورة قصيرة شديدة الوقع، تقرر عقيدة الألوهية والرسالة. وكل ذلك من خصائص القرآن المكي الذي نزل قبل الهجرة النبوية.
2- في الآيات من المتشابه:
أ- طه وهي من الأحرف المقطعة، التي افتتح الله بها سورا من القرآن الكريم، وهي من المتشابه لخفاء لفظها.
ب- {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} وهي من المتشابه من جهة المعنى، إذ لا سبيل للعقل البشري أن يحيط بحقيقة الاستواء، أو يعرف المراد به، وقد بيّنا أن الأحوط في صفات الله تعالى التفويض.
3- القراءات الموجودة فيها:
- {طه} قرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الطاء والهاء.
- وقرأ نافع: {طه} بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب.
- وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: {طه} بكسر الطاء والهاء.
- وقرأ أبو عمرو في غير رواية عباس: {طه} بفتح الطاء وكسر الهاء.
- وروى عباس عن أبي عمرو: {طه} بكسر الطاء والهاء مثل حمزة.
- وحفص عن عاصم: {طه} بالتفخيم.